من أطلق النار يا مريم على قلبك الصغير؟


د. أحمد الخميسى
لا شىء سوف يعيدك إلينا الآن يا مريم. لا شىء سيعيدنا إليك. سنبقى نحن هنا، وترتقين أنت درج النور إلى حديقة طفولة تضم كل الصغار الذين لم يكبروا. الذين لن يكبروا. نحن هنا سندير الشريط المصور مرة بعد أخرى لنراك حيث كنت تقفين فى كنيسة الوراق وأنت تتحسسين أطراف فستانك الجديد قبل أن يخترق الرصاص قلبك الصغير.
ندير الشريط ثانية لنراك وأنت تفلتين من قبضة والدتك. تندفعين بفرحة أعوامك الثمانية إلى أرجاء القاعة. ترفعين بصرك إلى النساء والرجال الكبار. تدورين وترقصين وترفرفين لحظة كالنور قبل عبور الموتوسيكل وفوقه الملتحيان الملثمان. ندير الشريط ونسأل أنفسنا: كيف تركناهم يفرغون رصاصهم فى قلبك الأخضر يامريم؟ ملتحيان ملثمان على موتوسيكل إما من الإخوان المجرمين أوممن يدور فى فلك دعوتهم إغراق الوطن فى مستنقع الدم والعنف. لكنك يا مريم لست ضحية هذين وحدهما، بل وكل من دعا إلى المصالحة مع الإخوان معتبرا أن الإجرام تيار فكرى، وأن العدوان وجهة نظر، إن الاغتيالات والتفجيرات تعبير عن رأى، وأن كراهية الآخرين برنامج سياسى! أولئك السياسيون والمفكرون أعطوا القتلة الضوء الأخضر حينما نقلوا إليهم بدعوة المصالحة رسالة بأن عليهم ألا يخافوا وأنهم مهما ارتكبوا فإن المصالحة والغفران– وليس العقاب- فى انتظارهم! دم الطفولة معلق بالقدر ذاته فى رقبة المجرمين الذين غطوا وجوههم والسياسيين ذوى الوجوه المكشوفة! أدير الشريط يا مريم وأراك وأنت فى الكنيسة تمضغين قطعة حلوى قبل اندفاع الموت إليك. ثم نرى قلبك الذى استقرت فيه الرصاصة حيثما كان ينبغى أن يستقر الحب والفرح، فأقول لنفسى إن الجريمة أكبر من هذا، وأن هناك أطرافا أخرى كثيرة ساهمت فيها. التشريع الذى مازال يضع خانة الديانة فى الأوراق الرسمية فيعرف المواطن بدينه وليس بوطنه، والإعلام التليفزيونى والإذاعى الذى لا يساوى الأقباط بغيرهم فى أوقات البث، والتمييز الذى يتم عند التعيين فى الوظائف وعند الترقية وفى شغل المناصب الكبرى فى الشرطة والجيش والجامعات. والتجاهل المستمر لضرورة سن قوانين تعاقب على «الحض على الكراهية» من فوق منابر الجوامع، وفى المدارس. أخيرا غض النظر المتعمد عن طبيعة المناهج التعليمية السائدة التى تتجاهل المراحل القبطية من تاريخ مصر أو تعبر عليها بكلمتين من باب سد الخانة. فإذا أردنا بصدق ألا يتم اغتيال الطفولة فى بلادنا فإن علينا أن نعلم أولادنا منذ الصغر أن تاريخ مصر ضفيرة من الكفاح المشترك لكل أبنائها، بحيث ينشأ لدينا جيل جديد يدرك أن «الله الرحمن الرحيم» هى بالضبط «الله محبة»، وأن تفاحة الثقافة والتطور المصرى من غرس سلامة موسى وطه حسين معا. من غرس لويس عوض ويوسف إدريس معا. ألفريد فرج ود. عبد العظيم أنيس معا. وأن قائمة شهداء حرب أكتوبر وكل حروب الدفاع عن مصر لم تميز دما قبطيا من دم مسلم. أدير الشريط يا مريم وأراك فأسأل نفسى: إلى متى يغتالون الأطفال فى بلادنا؟ إلى متى يلقون بهم من فوق أسطح البيوت؟ إلى متى يمكن أن تظل الجريمة قانونا، والقانون جريمة.

كتبت بواسطة: anasemonadel في الساعة 10/27/2013 05:07:00 PM . تحت باب , . بإمكانك متابعة الأنباء أولاً بأول بالإشتراك مجانا في خدمة RSS 2.0
انضم الي 2834+ قارئ يتابعون وكالة أقباط أونلاين


Feedage Grade A rated

فيديو..

2011 copts-online News Magazine . All Rights Reserved.